دورة حياة النفط

كس أم البضان يا حنان.

هذه البقعة أصبحت مستنفعا تسبح فيه الجراثيم والدرافيل العفنة الممتلئة بالدهون السميكة والمستحاثات البشرية القديمة. تذكرين يا حنان بالطبع حصة الأحياء. أنا لا أريد أن أذكرك بالمدرسة، بمؤسسة القهر الذي أفلت من أفاعيلها السوداء، من أولئك الأساتذة الذين توحدوا مع كائنات العصر الطباشيري فبدوا مثل أشباح قادمة من خارج التاريخ ليزرعوا في أرواحنا كل هذا البؤس. أنا أفلتت من هذا القدر. امتلأت روحي بالندبات المؤلمة، لكنني أفلتت في النهاية يا حبيبتي. أتحدث عن حصة الأحياء حصرا لأذكرك بأن الأستاذ يومها قال لنا بأن النفط هو محصلة تراكم تاريخي للكائنات الحية الميتة والمستحاثات القذرة في طبقات الأرض التي تعرضت لكل ظروف الطبيعة عبر الزمن. التراكمات الكمية تؤدي لتغيرات نوعية يا حنان. مش كنتي يسار برضو ونحكي في الديالكتيك؟!

تأملي يا لوعتي المفقودة، يا شبقي الدائم، تأملي: برج خليفة بن زايد في دبي، المراكز التجارية في الخليج العربي، السلفيون المنتشرون مثل الجراد في العالم العربي، الفتاوى والمشايخ، الاستهلاك الكبير، وشوكولاته نوتيلا التي تأكلها المراهقات حتى تطفو البثور على وجوههن، وسيتي ستارز في مدينة نصر بالقاهرة، وشبكة روتانا، والتعريص في ماريبيا وجبال الألب، ورواتب السلطة الفلسطينية، رواتب الأمن الوقائي، الدرع الحامي، ونثريات مقاتلي وليد بيك جنبلاط في جبال الشوف .. كل هذا يأتي من أموال النفط. كل هؤلاء يعتاشون على تلك المستحاثات الحقيرة التي حولتها الشمس الحارقة والضغط وأشياء أخرى لنفط. إحنا بنآكل كاكا يا حنان.

لا عليك من هذا يا غاليتي. بعد أن تركتني ألفيت نفسي تجدف بقنوط في نهر جارف من الكآبة. أغالب تيار الحياة الكريه وأنا أغوص فيه وأتذكر وداعة وهدوء كل شيء فيك، وداعة ذلك الغض الجميل الذي كنت أشعر به وهو يتأوه ويتلوى، ويفتح أمامي طاقة على عالم خارج من تسسلسل العصور التي جاءت بكل هذه القذارة. عالم آمن وأبيض وزاهي. لن أحدثك عن “الربيع” الذي رأيته هناك. أنا وأنت متفقان منذ البداية على الطلاق البائن من الربيع، على ابتذال الإنسان للطبيعة ووضعها في خدمة رومانسيته. أنا وأنت نبحث عن خام صاف. ولأن الصراحة هي خام صاف، أستطيع أن أقول لك الآن: أنا أتعذب لفراقك مثلما لم أتعذب لفراق امرأة أخرى لأنك محض عاهرة يا حنان وأنت تعرفين ذلك. من الصعب على المرء أن يقع في غرام عاهرة يا بنت الناس. من الصعب عليه أن يكتب رسالة لأنثى دون أن يقع ضحية كتابة رومانسية. صعب يا حنان. أنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي سيقول فيه شاب لحبيبته: كس أمك يا قحبة بدلا من “أحبك” يا حنان.

الكيمياء فتحت في دماغي معمل يا حنان ولم أستطع أن أنساك. قمت في ليلة من الليالي بإرسال رسائل لصبايا أعرفهن بالاسم والشكل فقط. واحدة فقط ردت علي. قلت لها: شربت لترا من الفودكا وشعرت بقرب أجلي ورأيت من الواجب أن أرسل لكل أولئك الصبايا اللواتي رغبت في يوم من الأيام التعرف عليهن ولم أستطع. الخيال يا حنان، كلمة السر. أعجبها هذا الخيال الجامح وأصبحنا أصدقاء حميمين لشهر واحد فقط وقضينا أوقات ممتعة. أكتب لك لأقول أنه في كل مرة كنت أطل عبر تلك الطاقة كانت صورتك هناك أمامي، سابحة متعالية، أعلى بركة من الزيت الأسود. هذه اللعنة التي ستطاردني للأبد.

أضف تعليق